الثلاثاء، 21 أبريل 2015

حديث روح و عقل و قلب

دخل غرفة معيشته حيث قرر ان يمضي أمسية هادئة في مشاهدة الأفلام ؛ نظر حوله الى الغرفة الخاوية الا من كنبة صغيرة و تلفاز فقرر الا يشغل التلفاز و يجلس في صمت شجعه على ذلك هدوء الغرفة و ضوء الشارع الخافت الذي يأتي من النافذة ؛ و بالفعل جلس على الكنبة بعد ان قام بتحريك ظهرها ليأخذ وضعا اكثر راحه و رفع رجليه على كرسي امامه و بدأ يحدث نفسه..
  • كم اعشق الهدوء و السكينة التي تبعثها هذه الإضاءة في نفسي ؛ كم أتمنى ان ابقا هادئا هكذا دون ان تزعجني أصوات الأفكار ؛ يا الهي كم أتمنى ان اجدها الآن واقفة امامي على باب الغرفة تنظر لي و على وجهها ابتسامتها التي اعشقها ثم تأتي لتجلس بجانبي في هدوء ؛ تضع رأسها على كتفي و نسبح سويا في احلامنا
  • ما هذا ؟!!! لماذا تأتيني هذه الأفكار؟ الم اقل اني اريد الجلوس في هدوء بدون ازعاج؛ لا اريد أي من هذه الأفكار ان تزورني ؛ لماذا يصر صوتها على ان ينادي قلبي؟ لماذا تصر ابتسامتها ان ترتسم امامي كلما اغمضت عيني؟ لن استمر في الجلوس في هذه الغرفة الساكنة التي تساعدني على تذكر تفاصيلها ؛ سأنزل لأجلس على احد المقاعد في الشارع المقابل لبيتي و ستساعدني حركة المارة و السيارات على النسيان وعدم التفكير.
نهض و بدأ يبحث عن مفاتيح شقته فلم يجدها في أي مكان..
  • كيف سأنزل الآن و انا لا اجد مفاتيحي؟ ما هذا الحظ!! اين يمكن ان تذهب هذه المفاتيح!! هل دبت فيها الروح فهربت ام نبتت لها اجنحة و طارت!! ماذا فعلت من لحظة وصولي للمنزل؟! نعم فلأبدأ خطوة خطوة حتى أتذكر اين وضعتها ؛ أولا فتحت باب الشقة.....ها هي المفاتيح معلقة على باب الشقة من الخارج ؛ يا الهي هل وصل بعقلي الحال الى هذه الدرجة حتى اترك مفاتيح الشقة معلقة على الباب من الخارج.
بدأ عقله في التذمر ..
  • لا تلومني على مثل هذه الأفعال ؛ فقد كنت في لحظة دخولك الشقة أتذكر عيناها و هي تنظر اليك بفرحة لرؤياك بعد ان غبت عنها لثلاث أيام؛ كنت أتذكر كيف احتضنت اناملها كفك في سلام دام لثواني معدودة و لكنها كانت كافية لتبعث في اوصالك دفقة حنان جعلت قلبك يتراقص فرحا.
  • يجب ان انسى هذه الأمور كي استطيع التركيز ؛ هيا فلقد وجدت المفاتيح سأنزل الآن.
اغلق الباب خلفه و بدأ في نزول السلالم..
  • ترى هل سيأتي يوم و اجدها تنزل بجانبي هذه السلالم متعلقة في ذراعي!! بئسا ايتها الأفكار الن تتوقفي!!! ها هو الشارع و هذا هو المقعد الذي سأجلس عليه و لن افكر في شيء آخر هذه الليلة.
  • لماذا لا يوجد احد في الشارع في هذا الوقت بالرغم ان الوقت لم يتأخر فالساعة ما زالت التاسعة و النصف. اين ذه الناس!!
  • لا يهم سأجلس هنا و بالتأكيد سيبدأ المارة في الظهور بعد قليل ؛ الهواء صافي و السماء متلألئة بالنجوم وصوت الكروان يأتي من حين لآخر مسبحا لله ؛ يا له من ليل رائع ؛ كم انا سعيد بهذا الهدوء.
  • سعيد!!!! هل انت فعلا سعيد؟!!! ام تحاول ان تقنع نفسك بشيء ليس له وجود؟
نظر حوله متسائلا ..
  • من هذا؟ ما هذا الصوت؟؟ صوت يهمس في اذني و لكن لا يوجد احد حولي
يأتيه الصوت مرة أخرى..
  • كن واقعيا وواجه مشاعرك ؛ انت لا تشعر بالسعادة و هي بعيدة عنك ؛ انت توهم نفسك
  • توقف أيها الصوت لماذا تصر على تبعث في قلبي الضيق؟ من انت لتحدثني بهذه الطريقة؟
متعجبا يأتيه الصوت..
  • ابعث في قلبك الضيق!! الم تلاحظ ان قلبك قد اصبح بستان احزان ترويه دموع قلبك الذابل.
  • من انت للتحدث عن قلبي؟ هل تعرفه؟ حسنا ان كنت لا تريد ان تتوقف عن احاديثك الحزين فسوف اغير مكاني كي لا اسمعك.
و بالفعل انتقل الى مقعد آخر كي لا يسمع الصوت الذي اصر ان يقطع عليه سكينته ..
  • هل تتصور انك ستهرب مني عندما تنتقل الى مقعد آخر!!
اتاه الصوت من على يساره فنظر ليجد نفسه جالسا ناظرا امامه بلا هدف ؛ صورة طبق الأصل منه و لكنها ضبابية المظهر يغلب على ملامحها الجمود و لكن يظهر على قسماتها الاسى و الحزن فانتفض في جلسته متسائلا..
  • من انت؟!
  • انا روحك أيها البائس ؛ الم تعرفني!!
  • روحي!! هل هذا يعني انني مت؟ و لكن كيف أكون ميت و انا ما زلت اجلس على المقعد و أرى الشارع و اشعر بنسمات الهواء الباردة!!
يأتيه صوت ضعيف من جانبه الأيمن..
  • انت فعلا لم تمت بعد و لكن انا و روحك انفصلنا عن جسدك فلم نعد نتحمل الألم
نظر مذهولا الى محدثه الجديد..
  • كيف يحدث هذا ؟؟ ووضع يده على صدره ليتحسس نبضات قلبه فلم يجد لقلبه نبضات تأتي من داخل صدره ؛ اذا ما اراه صحيح!! على يساري تجلس روحي و على يميني يجلس قلبي و انا لم امت بعد ؛ حسنا لقد فقدت عقلي.
يجيبه صوت عقله..
  • لا لم تفقدني و لكني لم اعد احتمل وجود هذا القلب معي في جسدك
نظر لقلبه متسائلا..
  • ماذا فعلت اليها القلب كي يغضب منك عقلي هكذا؟؟
التفت اليه قلبه و قد انعكست على دموعه أضواء النجوم و قال
عارف لما تحب
و تبقى مش مصدق
و تلقا قلبك يدق
في كل مرة تشوفها
و تفضل مش مصدق
تقعد في ملامحها تدقق
تحس انك في عنيها عاوز تعيش
تسرح في ضحكتها
و تسأل قلبك
انت ليه بتفرح لفرحتها
و تخاف لو نسمة لمستها
معقول معها
الحلم حيتحقق
يقاطعه عقله..
  • قلتلك ده مش حب ؛ بلاش تصدق عشان متظلمش نفسك ؛ شايف الي هناك دي كمان بتضحكلك ؛ و عنيها بتحاول تدخل قلبك
الروحه بتنهيده..
  • بس باب قلبك مبيفتحش
  • "متستسلمش" العقل بيصرخ
  • لسه بتضحكلك و بتحاول عليك تدلع
  • "مش قادر بردو تفتح عنيك عشان تشوف غيرها" ؛ مش قادر قلبك يدق لنظرة عين غير نظرة عنيها
العقل بيستنكر..
  •  يعني عاوز تقولي ان ده الحب!!
يرد قلبه...
  • لا مش حب ؛ انا بعشقها ؛ يعني انت بتتنفس عشانها و بتضحك بضحكتها اصل هي بقت انت ؛ بقت عايشه جواك ؛ قلبها بيدق بين ضلوعك معايا
تخرج الكلمات من القلب متقطعه و يتوقف عن الكلام حيث تغلبه الدموع فتكمل الروح الحديث ...
  • عارف رعشة ايدك ؛ عشان هي بعيد عنك
  • عارف ليه مش عارف تتنفس ؛ عشان مش حاسس بيها جنبك
  • عارف ليه ضحكتك هربت ؛ عشان في بعدها قلبك بطل يدق
  • هو انت فاكر انك طول ما انت عايش قلبك بيدق ؛ لا ؛ قلبك بيدق بس لما تبتدي تعيش ؛ يعني لما يدخل قلبك حب حقيقي وقتها بتسمع دقات قلبك من غير سماعات بتسمعها في ودانك و بتخاف احسن يكون كل الي حواليك سامعينها زيك.
يصمت الجميع بعد ما قالته الروح و القلب من كلمات ؛ حتى نسمات الليل توقفت كي تستشعر حرارة ما يخرج من صدره من تنهدات ؛ فيبدأ العقل بالحديث بصوت ضعيف ..
  • تتحدثون كما لو كان كل منكم يحبها و انا انكر على نفسي هذا الحب ؛ لا انا لا انكره ؛ فانا اذوب في كلماتها و احفظ حركاتها كلها ؛ هل منكم من يعرف ماذا تفعل عندما تكون متعبه؟! تريح رأسها للخلف و تغمض عينيها للحظات ثم تأخذ نفسا عميقا و كفيها يلملمون خصلات شعرها كما لو كانت تقوم بلملمه الأفكار التي ترهقها و من ثم تقوم بهز راسها يمينا و يسارا لتتطاير هذه الأفكار مع خصلات شعرها.
  • هل منكم من يستطيع ان يعرف متى تكون مرتبكه او غاضبه او تفكر بجديه في امر يشغلها ؟ انا اعرف عندما تقوم بلملمه خصلات شعرها خلف اذنها.
  • و عندما تكون سعيدة تميل راسها يسارا او يمينا فتتراقص خصلات شعرها على كتفها و تبتسم ابتسامه تنير عينيها فتبعث فيمن حولها نورا و فرحا.
  • استطيع ان احدثكم و اصف لكم جميع حركاتها لفتاتها ابتساماتها ؛ فعندما اجلس امامها لا أتمكن ان اجعل عيني تنظر بعيدا عنها ؛ يملاني شعور برغبة في ان احتويها بين ذراعي لأقربها من صدري فتضع راسها على كتفي فننعزل عن ما حولنا.
  • أقول لها احبك ؛ فتغضب الروح و يرهقني القلب في طلب كلمات تصف ما يشعرون به ؛ فكلمة احبك ابسط كثيرا من ان تحمل داخلها هذا الدفق من المشاعر التي تجعلني امتلك الدنيا كلها لمجرد ان تلتقي نظراتنا ؛ كلمة احبك تعتبر نكره فهي لا تصف أي نوع من الحب اريد ان أقول لها انني اشعر به.
اعترف العقل بحبها و ذاب القلب عشقا لها فطارت الروح طلبا لقربها ؛ سكن جسده الجالس على المقعد و امتد بصره الى السماء ليرسم لوجهها صورة بين النجوم ؛ لم يتحرك من جلسته فقد قرر ان ينتظر روحه لتعود له بها او لا تعود.